- هل أثار العنوان اشمئزازك؟
لا بأس
أكمل طعامك أولاً
ثم اقرأ
والقصة طريفة
* * *
وهكذا، نرى أنه بفضل التعاون نجا الصوص من الحفرة، وأن ظله لم ينفعه، لأن...
كان أستاذ اللغة العربية يشرح درس: أنا وظلي لتلاميذه في صف الثاني الابتدائي
وفجأة، قطع حديثه صرخة ذعر انطلقت من فم أحد الأطفال، فسأله منزعجاً: ما الأمر؟
أشار الطفل بأصابع مرتجفة نحو زاوية الصف، ونظر الجميع إليها، ثم أطلقوا شهقات الرعب، فهناك كان يقف جرذ كبير.
كاد الأستاذ يفقد وعيه خوفاً، وشعر بتجمد في ساقيه، ثم تجمد النبض في قلبه مع هتاف أحد التلاميذ: لا تخافوا، الأستاذ سيقتل الجرذ !!
تمتم الأستاذ بأسنان تصطك هلعاً: من...من قال ذلك؟؟
رد تلميذ آخر بخيبة أمل: يبدو أن أمي كانت مخطئة، أخبرتني أن الأستاذ يفعل ما يعجز عنه أقوى الأبطال.
انتفخت أوداج الأستاذ فخراً، وزال عنه الخوف بغتة، فاختطف عصا غليظة ملقاة في إحدى الزوايا، وانقض بها على الجرذ، مطلقاً صرخة هادرة، ولا شك أن الجرذ أصيب بالشلل من الخوف، إذ تجمد في مكانه، وبلا رحمة هوت العصا على رأسه مرة تلو المرة، والتلاميذ يهتفون: يحيا البطل، يحيا الأستاذ، بطل الأبطال.
أ
صيب الأستاذ بنشوة عجيبة، جعلته يواصل ضرب جثة الجرذ بحماسة، ليخلط عظامه بلحمه، بعد أن سلخ جلده تماماً، واستغرق للغاية في عمله، حتى لم يعد يسمع هتاف التلاميذ، ولم ينتبه إلا على صوت المدير يصرخ في أذنه مباشرة: كـــــــــــــفى
توقف الأستاذ، ليتابع المدير غاضباً: هل جننت؟؟ لقد مات الجرذ، وما زلت تواصل ضربه!!
شعر الأستاذ برعشة تسري في جسده وهو ينظر إلى الأشلاء التي أمامه، وزالت عنه نشوة النصر، فكاد يفقد وعيه اشمئزازاً، وكتم بصعوبة التقيؤ الذي كان بأمس الحاجة إليه، ولكنه عاد يشعر بالزهو مع اندفاع التلاميذ إليه هاتفين: أنت البطل، أنت بطل الأبطال، أنت البطل، ولا بطل سواك.
تمتم المدير مستنكراً: بطل؟؟
رد الأستاذ بغضب: لا شأن لك.
وغادر الصف مضيفاً: سيرجع البطل غداً.
أجابه الأطفال بهتاف حماسي، غطى على صياح المدير: إلى أين؟ دوامك لم ينته بعد!!
وبثقة تمتزج بزهو الانتصار، استقل الأستاذ سيارته، وعاد إلى بيته، ولم يكلف نفسه عناء رد التحية على زوجته، بل انطلق يغسل يديه، ثم فتح البراد ليتناول بعض الطعام، لكنه ارتد كالمصعوق حينما وجد جرذاً يجلس في البراد، وصرخ في ذهول: مستحيل!!!
أسرعت زوجته هاتفة بقلق: ماذا هناك؟
ثم توقفت مدهوشة، حينما رأته يحدق كالأبله في البراد، وهو يتمتم: مستحيل..مستحيل..مستحيل.
أدارت عينيها إلى حيث ينظر، ثم قالت بحنق: ما المستحيل؟ الكوسا باللبن؟؟
ردد في حيرة: أية كوسا وأي لبن؟؟
وهنا عاد إلى عقله، وانتبه أن الجرذ الوهمي لم يكن إلا وعاء حفظ الأطعمة، وأخذ يفكر في ما أصابه حتى يقع في هذا الوهم العجيب، و...
- هل أضع لك بعضاً من الكوسا باللبن؟
- أعوذ بالله!! أتريدين إطعامي جرذا باللبن، أعني كوسا بالجرذن!!!
نظرت إليه زوجته بدهشة عميقة، فيما ذهب هو مباشرة إلى دورة المياه، وما كاد يدخل حتى لمح جرذاً ينتظره على المقعدة، فأسرع بالخروج دون أن يغلق الباب، فقالت زوجته ساخرة: أعلم أن المنهاج الجديد يرتكز على الأنشطة، فهل ستعطي تلاميذك غداً درساً عن فتح الأبواب والتحديق ببلاهة في لا شيء؟؟
لم يرد عليها، بل خرج إلى الغرفة يلتمس الهواء النقي، ولكنه شعر بالغضب الهادر حينما رأى غطاء مصرف المياه مرتفعاً، ومن غير الجرذ يفعلها؟؟
فصاح في زوجته: جرذ، جرذ، جرذ.
أسرعت زوجته إليه مرعوبة، وتلفتت حولها في اضطراب، ثم سألته وقد ذهب شعور الخوف: الشرفة لا تتسع لثلاثة، فمن أين يأتي الجرذ؟
صاح بعصبية: لقد رفع غطاء المصرف.
أجابته ضاحكة: أنا من فعل ذلك، كنت أنظف الشرفة.
ومع اطمئنانه إلى أن الجرذ لم يأت إلى بيته، ذهب الأستاذ إلى المطبخ ليعد لنفسه كوباً من الشاي، وزاد اطمئنانه حينما لم يجد في إبريق الشاي جرذاً، فأخذ يصفر مرحاً، ولما غلى الماء وضع داخله كيساً من الشاي، وانتظر فترة، ثم سكبه في الكوب، و...
وكاد قلبه يتوقف عن الخفقان إلى الأبد..
فما نزل من الإبريق لم يكن شاياً..
بل دماً..
دم الجرذ الذي قتله.
يتبع إن شاء الله