--------------------------------------------------------------------------------
ذهب يتصلب بالتسخين
تبين التجربة الحياتية أن كل مادة تلين بالتسخين، وعند درجة حرارة معينة تبدأ بالانصهار التدريجي، لكن الذهب يتصرف لدى تسخينه تسخيناً سريعاً جداً تصرفاً غير اعتيادي، وهذا ما أظهره فيزيائيون من جامعة تورنتو، فالتسخين لا يؤدي دائماً إلى ليونة هذه المادة أو انصهارها، بل يمكن أن يحدث العكس تماماً.
لقد صار الذهب أكثر صلابة، لكن في ظروف من التسخين الفائق السرعة إلى حد غير معقول، تسخين سرعته تبلغ أكثر من مليون مليار درجة في الثانية، علماً أن هذه السرعة ليست السرعة القياسية للتسخين.
طبعاً، لم يجر الأمر بهذه البساطة، إذ كان من الضروري أن يخلق الفيزيائيون حالة يكون فيها التسخين أسرع كثيراً من قدرة الإلكترونات على امتصاص الطاقة الضوئية، بحيث لا تستطيع أن تصطدم بالذرات المجاورة وتبدد الطاقة، ونتيجة لذلك تكون الإلكترونات المسخنة على مسافة بعيدة من النواة، فيقل انحجاب شحنة النواة الموجبة، ويزداد الترابط بين الذرات.
تتألف بلورات الذهب من شوارد الذهب وإلكترونات ضعيفة الارتباط تقوم بتعويض تنافر الشوارد بعضها عن البعض الآخر، وفي الوقت الذي يجري فيه تسخين المادة بنبضات ليزرية خلال زمن فائق القصر، فإن الشوارد تأخذ بالتجاذب بقوة، مما يؤدي إلى نشوء شبكة بلورية أكثر متانة وارتفاع درجة انصهار الذهب المحمى.
وقد سبق للفيزيائيين النظريين أن تنبؤوا بمفعول ازدياد ارتباط شوارد الذهب، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتأكدون من حدوثه في الواقع، وكي يصل العلماء إلى هذه الاستنتاجات، كان عليهم أن يراقبوا حركة الشوارد على المستوى الذري، وجرى التقاط الصور في الزمن الحقيقي باستخدام طريقة الحَيَدان الفيمتوثاني للإلكترون femtosecond electron diffraction. وقد جرى ذلك على النحو الآتي، إذ أطلق الفيزيائيون نبضة ليزرية على بلورة رقيقة من الذهب، ثم قاسوا سرعة التسخـُّن ومطال حركة الذرات، وقد سمحت كل هذه المعطيات بقياس المؤشرات المختلفة لدى الشبكة البلورية.