كان نقاشا هادئا مع بعض الأصدقاء حول أهمية جماعات حقوق الإنسان، كان الرأي الغالب أن هذه الجمعيات عبثية لا تساعد الإنسان أبدا ولا تغني عنه من الظلم شيئا. رأي صحيحللغاية لو فكرنا بنظرة قصورية لا ننظر فيها أبعد من أنوفنا. لكنه خطأ فادح جدا لو فكرنا بطريقة إستراتيجية.
لمعرفة أثر أي شيء مستقبل علينا دراسة أثره التاريخي، ولنبدأ مع قصة من حكموا العالم الآن من أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأمريكية. مارتن لوثر كنغ عندما تم اغتياله في عام 1968 كان يعلم تماما أنه في يوم ما سيكون هناك رئيسا لأمريكا من نفس اللون، لأنه راهن على زرع الفكرة في جيل الشباب والأطفال لتنمو معهم ويصوت الأمريكيون في غالبهم لصاحب البشرة السوداء باراك أوباما.
المثال الثاني نأخذه من قارة أخرى هي أوروبا، فمن المعلوم أن المرأة في أوروبا كان يعرفها الفلاسفة كمخلوق أوجده الله من أجل خدمة الرجل، وبعيدا عن الكلام التسويقي عن مدى ظلم المرأة هناك فإننا نعرف تماما أن الحقوق التي حصلت عليها المرأة الأوروبية جاءت بعد نضال وسلسلة إعدامات تعرض لها كل من حاول مخالفة كنائس الظلام في العصور الوسطى.
وهناك أمثلة كثيرة لدينا نحن في مجتمعنا، فالمرأة كانت محرومة من التعليم وكانت محرومة من الميراث حتى بعد الإسلام... لكن كثرة الكتاب ضد هذا الظلم وكثرة النداءات وارتفاع صوت المناضلين في وجه هذا الظلم جعل منه ضئيلا للغاية. أؤلئك ناضلوا ليكون المستقبل أفضل ليس لهم بل للأجيال القادمة.
فعلى كل متفكر الآن أن يلاحظ أهمية العمل دون رؤية النتيجة في زمننا، شكل العالم سيكون مختلفا تماما نتيجة عملك اليوم... لا تفكر بالجماعة على أنها أنت وتذكر أن بعض أنواع الشجر يزرعها صاحبها ليجني منها أبناءه الثمار.
نعم أعلم أن جمعيات حماية المستهلك العربية لا تحمينا الآن، لكنها لو ركزت على الثقافة الإستهلاكية ستحمي الجيل القادم...
أعترف أيضا أن جمعيات حماية الحقوق لم تمنع التعذيب في كل سجون العالم العربي لكن يوما ما سياتي إلى الحكم من اقتنعوا بعدم ضرورة التعذيب...لحظتها سنرى الحكم على من يعذب الآخرين بأكثر من عامين...
سياتي من يحترم حق الأقلية في الحياة....والتعبير عن الرأي
سيأتي من يعترف بوجود رأي آخر...وحق للتعبير عن رأي الجماعات...
هذه المؤسسات وجمعيات المجتمع المدني مهمة جدا لتكوين رأي للمستقبل، لتكوين وجهة نظر في عقول أطفال اليوم وقادة المستقبل.
ملاحظة: ما سبق يمكن استعماله أيضا في العمل والبيئات التجارية، فعلى الشركات والمؤسسات عدم إستعجال النتائج ولتعرف دوما أن التفكير الإستراتيجي هو أساس البقاء المؤسسي.