إن النجاح هو الهدف الأسمى الذي يتطلع إليه الانسان دائما، وهو الشرط الذي يحقق للذات الانسانية ما تصبو إليه لكي تصل الى حالة الرضا، بمعنى أن الانسان على مختلف مستوياته يبحث عن تحقيق الذات، وسيحدث ذلك عندما تتوافر شروط النجاح وتصل النتائج الى الهدف المبتغى.
ولعل التوافق النفسي يشكل عنصرا هاما من عناصر التطور والرقي، وهو يعني إمكانية أن يشق الانسان طريقه نحو التفوق في الوسط الاجتماعي الذي يعمل فيه، كونه حقق أولا شرط التوافق مع نفسه ونجح في التعامل مع الآخرين سواء من يدعم أهدافه أو من يقف بالضد من ذلك.
بمعنى أنه حقق درجة جيدة مما يُطلق عليه بـ راحة البال.
وفي هذا الصدد يقول (ديفيد فيسكوت: إن راحة البال تعني معرفة أنك قمت بعمل كان ينبغي عليك القيام به، وأن تغفر لنفسك اللحظات التي لم تكن فيها بالقوة التي كنت تريد أن تكون عليها.
إن راحة البال ليست بالشيء العسير.
عندما يتوجب عليك العمل على إيجاد راحة البال، فلن تدركها لأن راحة البال التي تحاول البحث عنها تكون هشة ومؤقتة للغاية.
إن راحة البال يجب أن توجد قبل العمل الجيد وليست نتيجة له. إذا كنت تتمتع بوجود نوايا حسنه لديك، سيمكنك حينئذ أن تحظى براحة البال.
يمكنك أن تحظى براحة البال قبل أن تصفح عن الآخرين إذا كنت صادقاً ولديك نية في الصفح.
يمكنك أن تحظى براحة البال قبل أن تواجه موقفاً صعباً إذا ما كنت محدداً في نواياك تجاه مواجهته.
إن راحة البال تكمن في قبول الأشياء الجيدة لديك، وعزمك أن تفعل الصواب).
ولعل هذا الأمر سيقود الانسان الى القبول بذاته في نهاية المطاف، فالتوافق النفسي عامل مهم لتحقيق الذات كما ذكرنا سابقا، وهذا يعني ايضا انك ستقبل ذاتك او ترضى عنها او تتفق معها.
ولذلك ينبغي ان يتركز نشاط الانسان على القبول بذاته والايمان بقدراته وامكاناته ومواهبه التي تساعده على تحقيق أهدافه الجيدة، وحين يحصل العكس، أي اذا فقد الانسان حالة التوافق مع ذاته ولم يصل الى درجة القبول بها او عنها، فإن ذلك سينعكس سلبا على الانسان وعلى نشاطاته المختلفة في المحيط.
وفي هذا المجال يقول (ديفيد فيسكوت) في كتابه (فجر طاقتك الكامنة):
(عندما لا تقبل ذاتك، فإنك تصبح شديد الحساسية تجاه رفض الآخرين لك.
عندما لا تقبل ذاتك، فإنك تفقد إيمانك بقدراتك الداخلية بها في كل مرة تحاول التغلب على جوانب ضعف مترسبة لديك.
عندما لا تقبل ذاتك، فإنك تضيّع الوقت باحثاً عن حب الآخرين حتى تصبح متكاملاً.
عندما لا تقبل ذاتك، تنحصر جهودك في محاولة قهر الآخرين وليس في البحث عن أفضل إمكانياتك.
عندما لا تقبل ذاتك، فإنك تبالغ في تقدير قيمة الأشياء المادية.
عندما لا تقبل ذاتك، فإنك تشعر دائماً بالوحدة، وبأن وجودك مع الآخرين لا جدوى منه.
عندما لا تقبل ذاتك، فإنك تعيش في الماضي.
إن قبول الذات ليس مستحيلاً، إنه الوضع الوحيد الذي تستطيع تحقيق التطور من خلاله).
وهكذا نلاحظ أهمية أن يتوافق الانسان مع ذاته، وأن يرضى عنها ويقبلها لأنها مفتاح الابواب التي تقوده الى النجاح في أنشطته العملية والفكرية معا.
وثمة ملاحظة هامة في هذا المجال يُستحسن التذكير بها، وهي تتعلق بالزمن وعلاقته بالتوافق النفسي، فالانسان عندما يكون ناقما على ذاته سيهرب من واقعه الآني ومن محيطه الاجتماعي وسينزوي جانبا ليغوص في الذاكرة الماضوية التي يجد فيها ملاذا يناسب حالة الهروب والاخفاق التي يتعرض لها، أما الانسان المتوافق مع ذاته فتراه عنصرا فاعلا في المحيط الآني الذي ينشط فيه، لذلك ينبغي البحث الدؤوب عن العوامل المساعدة للقبول بالذات والتوافق معها كونها الطريق الأقصر لتحقيق النجاح.