من منا لم يداهمه الم الضرس يوما ما في حلكة ظلام الليل حتى جعله ذلك الالم اللعين يكفر بكل قيم الارض باحثا عن معين يسكن الآمه ولو لفترة قصيرة، كم قض هذا الالم مضجع اعتى واقوى الرجال وكاد يسمع نحيب بعضهم كالطفل دون وعي بما يجري حوله، ولا ننسى ألم المعدة في لحظة ما يجد فيها المرء نفسه طريح الارض لا يقوى على الوقوف او مواجهة قسوة الالم، ولكم ان تسألوا مرضى الكليتين وما يعانون منه من الالام مبرحة لا توصف بشدتها.
كل تلك المعاناة الصعبة من الالام الجسد ربما تتوقف "بحبة – كبسولة " تعيد لصاحبها كبرياؤه وعظمته وقد لا يستغرق مفعول الكبسولة من الدواء حتى يأخذ طريقه لتهدءة النفوس الا بعض دقائق ويسكن الجسد من المعاناة وتهدأ كل مفاصل هذا الانسان... انها عملية رائعة تغدو فيها راحة الجسد بلا ألم.
اما الألم النفسي عزيزي القارئ الكريم وقارئتنا الفاضلة انه الم الضرس الدائم وبلا انقطاع يقطع الليل كله حتى الصباح ويستمر في شدته حتى شروق الشمس وغروبها ولسنوات ولا يوجد مسكن فعال له الا بقبوله كأمر واقع، هذا هو حال مريض الفصام، انه يصرخ من ألمه الدائم في رأسه حتى وصفه احد المرضى بعد شفاءه منه بأنه الم الضرس الدائم لسنوات عجاف، كيف حال هذا المريض الذي ألمه في رأسه وفي كل ليلة يقض مضجعه حتى يجعله يصرخ فاقد الوعي من شدته ويفقد السيطرة على نفسه.
نحن نتفق هنا في ان مفهوم قبول الألم والتغلب عليه هو المسار الواقعي لمعالجة ألم النفس هذا المفهوم يطرحه علماء نفس الاعماق ويقوم بأن العلاج الحقيقي يتمثل في القدرة على تقبل الالم كوسيلة لانهائه، وهو مفهوم طبي ينافي المفهوم التقليدي الذي عرف بأنه محاولة القضاء على الالم اي نفيه، وباتت النظرية التقليدية وهي الافراط في استخدام العقاقير المسكنة او المضادة للالتهابات والمضادة للحساسية والضرر من سوء استخدام تلك العقاقير من هذا المنطلق اي منطلق نفي الألم واضح في حالة كثرة استخدام المسكنات على الاخص، وتؤكد الاتجاهات الحديثة بان الاسراع في استخدام العلاج قد يؤدي على الامد الطويل الى ضمور في قدرات الجسم الطبيعية على مقاومة المرض.
ربما لا يتبادر الى ذهن البعض من الناس لحد الان ان الالم بدون سبب واضح او مكان محدد في الجسم واضح للعيان يمكن ان يصدر منه هذا الالم بشدته وقوته، لذا فهؤلاء البعض يظلون غير مصدقين وجود مثل تلك الحالة المرضية او قريب من المرض وان كان من الاسوياء، اما لانهم لا يستطيعون تصور وجود مرض دون اعراض عضوية واضحة وإما لانهم يرفضون قبول المفهوم الذي اصبح راسخا وبخاصة بعد كشوف سيجموند فرويد المذهلة في هذا الميدان والذي يرى ان كثيرا من الامراض النفسية انما هي امراض نفسجسمية.
الجرح النفسي ونرجسية الانسان
معظمنا خبر الاهانة او الكلمات القاسية او اللوم الشديد الجارح من المدير او الزوج – الزوجة ام مسؤول العمل او من شخصا ذو نفوذ او سلطة وخصوصا في عالمنا الثالث او العالم المقارب له حيث تختل المعايير وتذوب القيم الانسانية بيد صاحب السلطة او النفوذ فيكون القانون مستغفلا او مموعا او مغيبا الى حد وضعه في مكان مثل الرف ليكون ديكورا في نظر السلطة الحاكمة وهو عادة في سلم الاحتياجات غير الضرورية.
هنا يكون الالم قويا لدى الاسوياء خصوصا اذا اذا اتفقنا مع الفيلسوف " سقراط" بقوله من اثقل مصائب البشر ان يحكمهم اسافلهم، وهي حقيقة مهمة حيث تصدر الاساءة من الاسافل دائما وليس من علية القوم. ان الأثر الذي يتركه الجرح النفسي في ذات الانسان كبير ولا يوصف لشدته، فكم من متسلط بالسلطة اغتصب رجلا امام اسرته قسرا (زوجته او ابناءه ) او اغتصب امرأة امام زوجها وابناءها لاهداف سياسية او اثناء التحقيق لغرض الحصول على معلومات، وهل عجز الانسان لان يلجأ الى هذه الاساليب في استخراج المعلومة قسرا، فماذا بقي اذن من نرجسية الانسان اذا كانت هناك بقايا لنرجسية هذا الانسان المقهور. وكم من طفل تعرض للاساءة الجنسية وترك ذلك في نفسه اثرا وجرحا لا يمحى من ذاكرته.
ترى الدراسات التي اجريت في هذا المجال ومنها دراسة "ريبور " و"دنيوي" في العام 1992 ان الطفل قد يتجه فيما بعد الى الممارسات الجنسية الشاذة ربما يتجه فيما بعد الى الممارسات الجنسية الشاذة وربما يكره الجنس ويتجنبه وقد يكون عرضة للاصابة بالاضطرابات النفسية او الاعتماد على العقاقير المخدرة فيما بعد كما بين ذلك "د.لطفي عبد العزيز الشربيني وزملاؤه "في مجلة الثقافة النفسية في موضوعهم الارشاد النفسي للاطفال المساء معاملتهم وتتوقف المضاعفات الاثار الناجمة التي يسببها الالم النفسي على مدى قدرة الفرد على ازاحته او تحييده لكي يتمكن من اذابته. من هنا يمكن النظر الى معاناة الانسان في صورة خبرة الالم النفسي وآثاره وشدته كمحاولة من جانب الفرد لايجاد آليات نفسية ملائمة ازاء هذا الالم.
وهناك شريحة من الناس تقبل الالم وتألفه لانه يسبب اللذة لها ويتيح لصاحبه النشوة، هذا الالم اللذيذ نجده عند الشخصيات المازوخية في قبولها للألم والتلذذ به، او لدى الشخصيات السادية في ايقاع فعل الالم بالآخر والتلذذ برؤيته يتألم وتقول الدراسات النفسية التحليلية ان السادية هي انحراف ينحصر في استمداد اللذة مما يلحق الغير من ألم بدني ونفسي، وقد يكون الألم الذي ينزل بالضحية ألماً ماديا (من ضرب ووخز وعض وتشويه قد يصل الى حد القتل) او نفسياً (في صورة التجريح والاذلال).
ويرى دانييل لاجاش ان مبدأ اللذة عند الفرد الناضج – الراشد يتبدى في الميل الى التنائي والابتعاد عما يورث الالم ويتضح ذلك بصورة خاصة في احلام اليقظة واحلام النوم عند اشتداد الازمات وقسوة الواقع، فالنوم يسمح باسترجاع حياة نفسية شبيهة بما كانت عليه قبل معرفة الواقع، لأن الشرط الاول الضروري للنوم هو بالذات نبذ الواقع المؤلم.