اذا كان الحب جزءاً من حياة الرجل فهو حياة المرأة كلها..
وإذا كان الحب عند الرجل رياضة فهو بالنسبة للمرأة عمل وشغل شاغل..
وان كان الحب فصلاً من كتاب الرجل فإنه هو كتاب المرأة من الغلاف إلى الغلاف.. المرأة لا تستطيع ان تعيش - بمعنى تحس بوجودها وسعادتها - الا بوجود الحب في حياتها.. ان تكون محبوبة اولاً.. ومحبة ثانياً.. وهي اذا أحبت أخلصت.. وفت وصدقت اكثر من الرجل.. بشكل عام.. بل ان المرأة لو مات حبها او حبيبها ظلت تروي شجرته بدموعها وذكرياتها حتى تظل تلك الشجرة خضراء.. دموع المرأة الصادقة في حبها تسقي شجرة الحب الذابل فلا تموت.. تظل خضراء مورقة في ذكرياتها مع الحبيب، وتظل تناجيها حتى تنتفض بالحياة.
٭ ٭ ٭
ومع ان المرأة تحب.. وتكتم.. وتزيد.. وهي تمور عواطفها بالحرارة وهي في ظاهرها.. باردة.. في كثير من الاحوال.
الا ان الشعر يكشف المستور، ويفضح المكنون، اذا كانت المرأة شاعرة - وسمحت لها الظروف.. بالبوح - فإن طائر الحب في قلبها يغرد بصوت مسموع، ويظل دائم التغريد.
(فتافيت امرأة)
هذا عنوان جميل لديوان شعر فيه رقة.. وعذوبة.. وحب.. للشاعرة (سعاد الصباح) التي تقول الشعر الفصيح.. والشعبي.. وان كان الاول عندها أغزر وأكثر.
ومن (فتافيت امرأة) نختار لك أخي القارئ بعض المقطوعات لتجد ان شخصية المرأة عطر في زهرة، وان الحب هو عطر تلك الزهرة، وان الشعر هو الذي يجعل ذلك العطر يضوع ويملأ بعبقه الزكي ارجاء المكان.. والزمان.
٭ ٭ ٭
«يا صديقي:
انا ألف امرأة في امرأة
وانا الامطار والبرق
وموسيقى الينابيع
ونعناع البراري
وانا النخلة في وحدتها
وانا دمع الربابات،
واحزان الصحاري
يا صديقي:
يا الذي يخرج من منديله ضوء النهار يا الذي اتبعه حتى انتحاري كم تمنيت بأن تصبح في يوم من الايام، قرطي.. أو سواري!
يا صديقي:
انني اخترتك من بين الملايين
فهنئني.. على حسن اختياري»
٭ قلت: لو تحقق للشاعرة المبدعة ان يصبح ذلك الرجل سوارها.. او قراطاً في أذنيها.. ما كانت لتسعد ان كان مرادها ان يطيعها كأس وريديها، فحين يكون الرجل (خاتماً في يد زوجته) تفعل به ما تريد، فإنها تشقى به وتحس انه ليس كامل الرجولة، والمرأة لا يمكن ان تحب رجلاً الا وهي تحس انه كامل الرجولة، سواء كان كذلك ام لا، المرأة حين تحب رجلاً تحس نحوه أرقى إحساس.
إن كان تعبير الشاعرة كناية عن الطاعة، فهي كناية تذكرني بقول ابن لعبون:
يوم ان مي لي تقوم
قومة المأموم من خلف الامام
كلاهما كناية عن الطاعة التامة.. الطاعة العمياء.. وهو امر يوده الرجل العاشق.. ولا توده المرأة العاشقة بهذا الشكل المطلق.. وشاعرة مبدعة كسعاد الصباح لا اعتقد انها تريد ذلك، الارجح والأوضح انها تريد (الملازمة) تتمنى ان يلازمها محبوبها ملازمة سوارها لمعصمها وقرطها لأذنها.. والقرط دليل على ذلك فهو لا يكنى به عن الطاعة.. ولكن عن الملازمة.
وملازمة الحبيب للحبيب غاية المراد من رب العباد!
وكناية الشاعرة عن ملازمة الحبيب بالقرط.. والاسوار.. فيها حميمية.. وشفافية.. وحلاوة اقتراب..
وتقول في هذا الديوان الجميل (فتافيت امرأة) وهي القصيدة التي حمل الديوان عنوانها، وحملت في معانيها أرق المشاعر، وصورت حب المرأة حين ينطلق بعاطفتها كالصاروخ:
«أيها السيد.. إني امرأة نفطية تطلع كالخنجر من تحت الرمال تتحدى كتب التنجيم والسحر وارهاب المماليك واشابه الرجال انني امرأة مجنونة جداً..
ولا وصف لحالي!..
ان عشقي لك من باب الخرافات
فلا تكسر خيالي
٭ ٭ ٭
ايها السيد ماذا بمقاديري فعلت؟
لم يعد عندي انتماء غير انت!
انك القومية الكبرى التي تربطني وتعاليمك يا مولاي أحلى ما قرأت كل أوراقي التي أحملها في سفري فوقها رسمك انت!
والمرايا.. لا أرى وجهي بها بل أرى وجهك انت!
و(الكاسيتات) التي اسمعها في خلوتي.. عكست ذوقك انت! لم يعد عندي مكان بعدما استعمرت كل الامكنة لم يعد عندي زمان بعدما صادرت كل الأزمنة انت سقفي وغطائي والسند لم يعد عندي بلاد بعدما صرت البلد ايها المحتلني شبراً فشبرا انت الغيت عناويني جميعاً فإذا ما هتفوا باسمي فالمقصود انت!
٭ ٭ ٭
سيدي يا سيدي أيها الحاكمني من غير قانون ومن غير شرائع.
أيها الحابسني كالماء ما بين الاصابع أيها الطفل الذي لم استطع تهذيبه والذي اهديته الصيف وأهداني الزوابع أيها الطفل الذي اخرجته من جسدي كم انت رائع!.
قلت: انه حكم الحب أقوى من حكم القانون وأمره يسري على العشاق لا يعرف الاستئذان، وخاصة المرأة انه يهبط عليها في لحظة مملوءة بالاعجاب والسكون.. وربما كان تعبير الشاعرة (بالطفل) تعبيراً عن الحب نفسه.. هذا الطفل الجميل الذي يولد فجأة..
«أيها السيد أهلاً بك في هذي المدينة انا خبأت بشعري لحبيبي يا سمينة أيها المحتلني من غير انذار وخيل وجنود
أيها الساقط فوقي كالرعود:
كان لي قبلك أرض وحدود
واصغت الأرض في الحب..
وضيعت الحدود..»!
قلت: ان كان الحب احتلالاً فهو أجمل احتلال، الحب بمعناه الوله الشفاف وليس بمعنى حب الامتلاك.. الاول فرح.. وعطاء.. شوق.. ووله.. والثاني أنانية.. وغيرة سوداء..
«أيها السيد: اخرج من جهازي العصبي من كتاباتي وصبري وسطوري وشرايين يدي أيها السيد أخرج من رذاذ الماء ينساب على جسمي صباحاً.
من دبابيسي.. أمشاطي..
وكحلي العربي».
قلت: لقد خرج في شعرها، قذف الشعر عواطفها كالصاروخ في فضاء العاطفة اللامتناهي.. ان العاطفة مع الحب الصادق.. اللاهب.. لا تتناهى.. وكذلك الذكرى، ان الخنساء تقول:
يذكرني طلوع الشمس صخراً
وأذكره بكل غياب شمس
والعاشق الصادق كل الأشياء تذكره بحبيبه، خاصة الاشياء الجميلة:
«أيها السيد: انني كنت في بحر بلادي لؤلؤة ثم ألقاني الهوى بين يديك فأنا الآن فتافيت امرأة أيها السيد: لو حاولت ان تمسكني لن ترى الا فتافيت امرأة
لن ترى الا فتافيت امرأة»!
اذا حلق الشعر سكت النثر.. غير اننا نقول ان الحب جميل.. والشعر جميل.. وهما معاً.. الحب والشعر.. فيض من العواطف والصور.. والاحلام.. فإذا قرأنا شعر الحب الصادق سرت روح الجمال فينا.. ومن حولنا.. وملء الآفاق..
٭ ٭ ٭
إن الحب اذا مس بجناحه الساهر أي امرأة.. حلق بها.. فإن كانت شاعرة.. وقادرة على البوح دون خوف اجتماعي.. فإن الشعر يرفع عواطفها كالصاروخ.. بحيث تظل محلقة في الفضاء.. وقد تتجاوز حدود الجاذبية.
وكل امرأة تصبح شاعرة اذا مسها الحب.. وللشعر لغات: لغة العيون.. والحركات.. وارتعاش الكلام على الشفاه.
وأجمل امرأة هي التي ترتعش الكلمات على شفتيها من شدة الحب.
٭ ٭ ٭
وتظل المرأة شابة طالما وجدت الرجل الذي يحبها.. وتحبه.. والمرأة أشد أعدائها الزمان والكراهية.. ان تكون مكروهة.. أو تكون عجوزاً.. الحب الصادق وحده يبعد عنها هذين الشبحين.
وقد سئلت اعرابية تزوجت شاباً: هل انت تحبينه؟ فقالت: المهم هو ان يحبني هو.. واعتقد ان كل امرأة تتمنى ان تكون محبوبة أولاً.. هذا الشيء أساسي.. من الناحية العملية والشعورية.. فالذي يحبها سوف يكرمها.. بل يدللها.. فإذا كانت تحبه كما يحبها فتلك الغاية.. المشكلة حين يكون الحب من طرف واحد.. من جانبها هي.. هنا تتألم بشدة.. أكثر من ألم الرجل.
ولو كان لطيفاً معها.. الرجل اذا احب المرأة سعد بها ولو لم تبادله الحب.. سعادة نسبية على الاقل.. اما المرأة فخوفها على من تحب.. ولا يحبها.. خوف يأكل سعادتها به ولو كان زوجها وكريم التعامل معها.
٭ ٭ ٭